الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{مِمَّا يَقُولُونَ} أي مما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة في جميع الأعصار والأطوار إلى يوم القيامة {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمة لما يخلو عنه البشر من الذنب {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} في الجنة أي كثير ويقال حسن.قال الراغب: كل شيء يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم وقال بعضهم: الرزق الكريم هو الكفاف الذي لا منة فيه لأحد في الدنيا ولا تبعة له في الآخرة.يقول الفقير: الظاهر من سوق الآيات ولاسيما من قوله: {مِمَّا يَقُولُونَ} أن المعنى أن الخبيثات من القول: يعني للخبيثين من الرجال والنساء أي مختصة ولائقة بهم لا ينبغي أن تقاتل في حق غيرهم وكذا الخبيثون من الفريقين أحقاء بأن يقال في حقهم خبائث القول والطيبات من الكلم للطيبين من الفريقين أي مختصة وحقيقة بهم وكذا الطيبون من الفريقين احقاء بأن يقال في شأنهم طيبات الكلم أولئك الطيبون مبرؤون مما يقول الخبيثون في حقهم فمآله تنزيه الصديقة أيضًا.وقال بعضهم: خبيثات القول مختصة بالخبيثين من فريقي الرجال والنساء لا تصدر عن غيرهم والخبيثون من الفريقين مختصون بخبائث القول متعرضون لها كابن أبي المنافق ومن تابعه في حديث الإفك من المنافقين إذ كل إناء يترشح بما فيه والطيبات من الكلام للطيبين من الفريقين أي مختصة بهم لا تصدر عن غيرهم والطيبون من الفريقين مختصون بطيبات الكلام لا يصدر عنهم غيرها أولئك الطيبون مبرؤون مما يقول الخبيثون من الخبائث أي لا يصدر عنهم مثل ذلك فمآله تنزيه القائلين سبحانك هذا بهتان عظيم.وقد وقع أن الحسن بن زياد بن يزيد الساعي من أهل طبرستان وكان من العظماء وكان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وكان يرسل في كل سنة إلى بغداد عشرين ألف دينار تفرق على أولاد الصحابة فحصل عنده رجل من أشياع العلويين فذكر عائشة رضي الله عنها بالقبيح فقال الحسن لغلامه: يا غلام اضرب عنق هذا فنهض إليه العلويون وقالوا هذا رجل من شيعتنا فقال: معاذ الله هذا طعن على رسول الله فإن كانت عائشة خبيثة كان زوجها أيضًا كذلك وحاشاه صلى الله عليه وسلّم من ذلك بل هو الطيب الطاهر وهي الطيبة الطاهرة المبرأة من السماء يا غلام اضرب عنق هذا الكافر فضرب عنقه.وقال الراغب: الخبيث ما يكره رداءة وخساسة محسوسًا كان أو معقولًا وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والقبيح في الفعل.وقوله: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} أي الأعمال الرديئة والاختيارات النبهرجة لأمثالها وأصل الطيب ما يستلذه الحواس وقوله: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} تنبيه على أن الأعمال الطيبة تكون من الطيبين كما روي: «المؤمن أطيب من عمله والكافر أخبث من عمله».وفي التأويلات النجمية: يشير إلى خباثة الدنيا وشهواتها أنها للخبيثين من أرباب النفوس المتمردة والخبيثون من أهل الدنيا المطمئنين بها للخبيثات من مستلذات النفس ومشتهيات هواها معناه أنها لا تصلح إلا لهم وأنهم لا يصلحون إلا لها.وأيضًا الخبيثات من الأخلاق الذميمة والأوصاف الرديئة للخبيثين من الموصوفين بها والطيبات من الأعمال الصالحة والأخلاق الكريمة للطيبين من الصالحين وأرباب القلوب يعني خلقت الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات كقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 119).وقال عليه السلام: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» وقال عليه الصلاة والسلام: «خلقت الجنة وخلق لها أهل وخلقت النار وخلق لها أهل» وفي حقائق البقلي خبيثات هواجس النفس ووساوس الشيطان للباطلين من المرائين والمغالطين وهم لها وطيبات الهام الله بوساطة الملائكة لأصحاب القلوب والأرواح والعقول من العارفين.وأيضًا الترهات والطامات للمرتابين والحقائق والدقائق من المعارف وشرح الكواشف للعارفين والمحبين انتهى.وكان مسروق إذا روى عن عائشة رضي الله عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة رسول الله المبرأة من السماء، وجاء أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على عائشة في موتها فوجدها وجلة من القدوم على الله فقال لها: لا تخافي فإنك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم فغشي عليها من الفرح بذلك لأنها كانت تقول متحدثة بنعمة الله عليها لقد أعطيت خصالًا ما أعطيتهن امرأة لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله أن يتزوجني ولقد تزوجني بكرًا وما تزوج بكرًا غيري ولقد توفي وأن رأسه لفي حجري ولقد قبر في بيتي وأن الوحي ينزل عليه في أهله فيتفرقون منه وأنه كان لينزل عليه وأنا معه في لحاف واحد وأبي رضي الله عنه خليفته وصديقه ولقد نزلت براءتي من السماء ولقد خلقت طيبة عند طيب لقد وعدت مغفرة ورزقًا كريمًا. اهـ.
|